سيء جدا - بقلم عبد الرحيم شراك

سيء جدا - بقلم عبد الرحيم شراك


لم يستوعب عقلي في البداية ما قاله عماد، حتّى كرّر ذلك عدة مرّات: يوسف مصاب بمرض خطير ! وسيسافر غدا مع عائلته إلى مدينة أخرى حتّى يتلقّى العلاج ثم سيستقرون هناك ! سرحت قليلا مع أفكاري و تخيلاتي حتَى قاطعتني كلمات عماد من جديد : كنت أعلم أنّك لن تهتمّ كثيرا بالموضوع ، لطالما تشاجرتما و اختلفتما فأنتما لم تتكلما مع بعضكما البعض منذ عدة أشهر ! لكنّني رددت عليه: لا أبدا، ليس لتلك الدرجة. في كل الأحوال نحن لسنا أصدقاء ! سكتنا لبرهة من جديد حتّى اقترح عليّ صديقي الخروج للتنزه، لكنّني رفضت بحجّة القيام ببعض الأشغال.
لا يمكنني وصف شعوري بالضبط ، بعد سماعي للخبر. هل أشعر فعلا بالحزن من أجله ؟ مستحيل ! فيوسف كان ولا يزال عدوّي اللدود ! و تصرَفاته تدلَ على كرهه الشديد لي .لن أنسى أبدا ذلك اليوم حين تكلَم يوسف مع والدي عن أصدقائي، فوصفهم بأصدقاء السوء. لا أزال أتذكَر أيضا ذلك اليوم الذي أخبر فيه الأستاذ أنّني كنت أغشّ في الاختبار أو عندما أعطيت الإجابات لمحمود. إنّه لا يحبَني و أنا أكرهه في داخلي لأقصى درجة ممكنة، ومن المستحيل أن أحزن عليه ! لقد كنّا و ما زلنا أعداء و سنظل كذلك للأبد.
بدأت السماء تتغمّم في الخارج ، يبدو أنَ بقائي في المنزل كان قرارا صائبا ! لكن ، ماذا سأفعل ؟ فأنا لا أحس برغبة في إنجاز التمارين المنزلية أبدا، بل و لا أحب حتّى استعمال هذا القلم البشع في الكتابة ! إنّه هدية من يوسف للأسف الشديد ! فقد أحضره عند زيارته لي لمَا مرضت في بداية العام الدراسي. لكنّني متأكد أنّه قام بذلك فقط ، ليؤكّد أمام الجميع أنه شخص خلوق و متسامح و طيّب القلب . لا أعلم مصدر شعوري بالضبط ، لكنني أتساءل أحيانا: هل هو شخص سيء جدا لهذه الدرجة ؟ لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال بصراحة ولا أريد التفكير به أيضا.
لقد بدأت بعض القطرات بالتساقط في الخارج ، كما أخذت بعض الدموع تنزل من عينيّ ! لماذا أرغب بشدة في البكاء ؟ هل أخطأت في أمر ما ؟ هل أنا حزين من أجل يوسف ؟ في الحقيقة أشعر بالذنب لسبب واحد ، أنّني كنت أتمنّى من قبل أن يصاب بمرض أو حادثة ! لقد كنت أكرهه و لا أحتمل وجوده سعيدا على سطح الكرة الأرضية. لكنّني أحسّ الآن بشيء غريب بداخلي ، أشعر بأنني شخص سيئ جدا ! لماذا تنزل دموعي بغزارة ؟ لا شكّ أنّ يوسف سيكون حزينا لإصابته بهذا المرض الخطير، خاصة و أنّه سيغادر المدينة و يودّع أصدقاءه. أعتقد أنّه يحتاج للدعم و رفع معنوياته، يجب أن أفعل شيئا ما !
أصبحت الأمطار تنزل بغزارة في الخارج، مثل دموعي التي لا تريد التوقّف ! أعتقد أنّ يوسف سيفرح برؤيتي ، سنحاول أن ننسى خلافاتنا القديمة و نبدأ صفحة جديدة. سأعانقه و أطلب منه أن يسامحني ، وسأدعو له بالشفاء و أتكلم عن تطور الطب الحديث بتفاؤل . سأخبره بنفس الكلمات التي قالها لي حين مرضت: المرض ابتلاء من الله، وتخفيف لذنوب العبد. و سأوصيه بالصبر كما كان يفعل، لقد فهمت الآن معنى تصرفاته و تعامله معي... إنّه شخص عظيم بصراحة ! سيفرح بالتأكيد إذا أخذت رقم هاتفه و طلبت أن نبقى على تواصل مستمر ! يجب أن أذهب الآن لرؤيته في منزله، و بأقصى سرعة !
كان الحماس مشتعلا بداخلي و رغم الأمطار الغزيرة و الرياح القوية فلم أتراجع. ركضت بكل قوتي في اتجاه منزل يوسف، فقد أحسست أنه ينتظرني بفارغ الصبر. مضت عشر دقائق حتى وصلت المنزل أخيرا، لكن أصوات البكاء جمدتني في مكاني و كل ما عرفته في تلك اللحظة أن يوسف قد مات.

تعليقات