إياك أن تنجح ! - بقلم عبد الرحيم شراك

 

إياك أن تنجح !

قصة قصيرة حزينة

كانت أمه قلقة جدا عليه ، لمّا حصل على أعلى معدّل في مدرسته الابتدائية. كانت تحرص عليه جيدا، و تخاف عليه من أي شيء و ربما كل شيء في هذه الحياة. لم تسمح له يوما أن يخرج لوحده أو يلعب مع أطفال الحي كأقرانه في مثل سنّه.

كلّما نجح في مستوى دراسي معين، ازداد خوفها و قلقها عليه بشكل مستمر و تصاعدي. كانت تخشى عليه من العين و الحسد و كل الأمور الخفية الأخرى. تطورت حالتها يوما بعد يوم ، فأصبح ابنها كالعجينة بين يديها و لا يقوم بأي شيء إلا بإذنها و تحت أمرها. كي لا يتأذى و لا يصيبه أيّ مكروه.

بعد سنوات اجتاز الابن امتحانات المرحلة الإعدادية بنجاح باهر. لم يحصل على أعلى معدل في المؤسسة فحسب ، بل في المدينة بأسرها ! أصبح حديث الشارع و الناس. الكل يتكلم عنه، و يشير إليه في الطريق. أصبحت أمه حريصة عليه أكثر ، خاصة بعد أن طلبت وسائل الإعلام من قنوات تلفزيونية و إذاعات إجراء لقاءات صحفية معه. كما تصدّرت صوره كل المجلات و الجرائد الصادرة في تلك الفترة ، ليعيش نجومية لم يحلم بها من قبل !

أصيب بعدها بوعكة صحية كبيرة ، أقعدته في البيت لمدة شهر. و لم يقض عطلة الصيف كغيره من الأطفال. حذرته أمه من أن يفعل أي شيء ، حتى لا تتفاقم حالته أكثر. منعته من اللعب و الخروج و زيارة الأقارب و كذا مشاهدة التلفاز ، بل و حتى النظر عبر النافذة و الرد على الهاتف. ازداد خوف الأم أكثر عند اقتراب موعد العام الدراسي الجديد ، و من فرط حبها و قلقها اتخذت قرارا كبيرا حتى تنقد ما يمكن انقاذه. فأمسكت بولدها الوحيد ذات يوم ، ثم قالت له بحزم :" يا ولدي ، الكل يكره الناجحين في هذه الحياة .لقد لاحظت أن الكل يتكلم عنك و يشير إليك. لذلك كي تحافظ على نفسك و صحتك إياك أن تنجح ! لن أسمح لك بالذهاب للمدرسة و إكمال دراستك. لا تنجح و لا تجتهد و لا تبذل جهدا. حتى ينساك الناس و لا يبالون بأمرك."

لم يقل الولد أي كلمة، بل انصاع لقرار أمه بسهولة فقد كان خائفا أيضا. منذ ذلك الحين لم يعد يدرس أو يقوم بأي شيء آخر. يظل طوال الوقت في المنزل كلعبة مركونة هناك ، ولا يخرج منه أبدا إلا بوجود كل الاحتياطات اللازمة كي لا يراه أحد . و ما زال إلى يومنا هذا في غرفته وحيدا فاشلا كي لا يصيبه أحد بسوء إلى الأبد


تعليقات