فتات أحلامه - بقلم عبد الرحيم شراك

فتات أحلامه 

(من كتاب بائع الوقت بقلم عبد الرحيم شراك)

قصة حزينة بقلم عبد الرحيم شراك

كان شاحب الوجه و مثقلا بالهموم ، تبدو الكآبة على ملامحه .جلس منهزما بهدوء فوق الأرض الباردة التي تغطيها قطعة صغيرة من زربية تقليدية باهتة الألوان. أخذ ينظر إليها بحسرة و أسى، و فكّر مليا فيما يمكنه فعله. أخذ يراقب انكسار فُتات أحلامه التي انتشرت في الأرجاء، بعد كل المشاكل التي حصلت له. هذا ما تبقى منها بعد أن تم تحطيمها و كسرها أمام عينيه. لم تعد أحلامه موجودة على الأغلب أو هي موجودة فعلا لكنها ليست كما كانت في السابق. أضحت الآن مختلفة بل و مجرد فُتات فقط.

احمرت عيناه من البكاء، لم يعد يدرك ماذا يوجد أمامه ! لم ينم منذ وقعت الواقعة. أخذ يدقق في فتات أحلامه بعينيه ، كانت تنبعث منها رائحة الفشل التي ملئت المكان برمته. أما جسمه الضعيف فقد كان يرتعش باستمرار و أحس أنه قد ينهار في أي لحظة. لكنه استجمع قواه أخيرا و ضغط على خوفه و قرر أن ينظر إليها مرة تلو الأخرى. كان يشعر بإحساس لم يذق طعمه من قبل. حرك يده في اتجاه أحلامه التي أصبحت فتاتا ،أراد أن يلمسها  مرة أخرى و يحس بها و يحتضنها اذا استطاع .لكنه فكر أن بإمكانه جمعها من جديد ، فقد يجد حلا ما .

أمسك في بادئ الأمر حلمه عندما كان يريد أن يصبح مهندسا ، يا حسرتاه ! لقد اتبع أهواءه و اصبح حلمه الآن مجرد قطع دقيقة لأنه لم ينجح في التخطيط للأمر . ها هو يمسك حلم الزواج بيديه ، لقد سمع كلام الناس بتأجيله للعيش حرا ، لكنه وجد نفسه اليوم وحيدا. أمسك أحلامه الأخرى تباعا، كان يريد أيضا أن يتخلص من صفاته السيئة و أن يكتسب أصدقاء جدد ، أن يصبح شخصية ذات وزن في المجتمع و أن يزور بلدان العالم ، كل شيء ذهب أدراج الرياح. تحسر بيأس على أحلامه الكبيرة و الطفولية كما كانوا يقولون ، ابتسم حينما تذكر تشجيعات معلميه في مرحلة دراسته الابتدائية. لكن دمعة أخرى ترقرقت في عينه اليسرى فسقطت بسرعة على فتات أحلامه التي ارتوت منها لوهلة !

كان يمسك بكل قطعة يجدها و يضعها بحزن بين يديه، لقد استطاع جمعها أخيرا و وضعها في وعاء صغير. كان يريد أن ينظر إليها في كل مرة ليحس بالحسرة أكثر أو ربما بالأمل المتبقي بندم. إنه يقف الآن حائرا بعد أن وأد أحلامه بيديه، لا يعلم ماذا يصنع بهذا الفتات، فقد كان كل هذا الفشل بسببهم. لقد سمع كلام أعداءه و رضخ لآرائهم. لكنه أيضا يتحمل جانبا من المسؤولية و ربما الجانب الأكبر منها. كان إنسانا ضعيفا جدا و سمح لهم باللعب في حياته كما يحلو لهم ، استسلم بسهولة تاركا المجال لهم لتدمير أحلامه شيئا فشيئا. لكن ، ماذا يملك المسكين ليفعله ؟ إنه يذرف دموعا غزيرة و هو ينظر إليها بحزن ، قرر الاحتفاظ بها  في الوقت الراهن. فقد اشتعلت فيه الرغبة بغتة. يبدو أن حلا ما يلوح في الأفق !

فاجأ أفكاره دخول الأعداء من الباب، يبدو أنهم يريدون هذه المرة أخذ الفتات أيضا .لكنه قرر أن يدافع عنها بقوة هذه المرة ، نظر إليهم بحماس و صرخ في وجههم : ألا تريدون أن تتركوا لي شيئا ؟!أريد أن أحس بالحياة !  لمع بريق ساطع في عينيه و سالت بضع دموع كئيبة من عينيه. قال بعزيمة قل نظيرها : سأدافع عن هذا الفتات حتى ولو كلفني حياتي ، فهذا ما بقي لي كي  أعيش ! أخذ ينظر إليهم من جديد ، تمالك نفسه و حاول أن يبدو أقوى. لكن ، ما لبث أن ازداد عددهم و في كل مرة يصبحون أكثر قوة ! أحاطوا به و ذكّروه من جديد بماضيه الأسود و أحلامه التافهة السخيفة كما كانوا يفعلون دوما...

هبت ريح اليأس فجأة ، كانت كافية ليحدث ما حدث. أدرك كم كان الوقت متأخرا و كان قد فات الأوان . كانوا أقوى منه هذه المرة أيضا.  لم يعد لعينيه ذلك البريق فتخلى عن فتات أحلامه بسهولة ، لقد أصبح شخصا عاديا جدا الآن و ... بدون أحلام.


تعليقات